الديانة الآتونية تعود إلى الواجهة مع افتتاح المتحف المصري الكبير
مع افتتاح المتحف المصري الكبير رسميًا في الجيزة، عاد اسم أخناتون وديانته المثيرة للجدل — الديانة الآتونية — إلى دائرة الضوء من جديد، إذ خُصص جناح كامل في المتحف لعرض مقتنيات هذه المرحلة الاستثنائية من التاريخ المصري، التي مثّلت أول محاولة لتوحيد الإله في العالم القديم.
ثورة فكرية في قلب طيبة
في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، خرج الملك أمنحتب الرابع عن المألوف وأعلن عبادة إله واحد هو آتون، قرص الشمس المشرق، رمز الحياة والنور.
الشمس رمزا وليس الإله نفسه
وللتعبير عن ولائه للعقيدة الجديدة، غيّر اسمه إلى أخناتون أي المخلص لآتون. كان يؤمن أن هذا الإله لا يُجسَّد في صورة أو تمثال، بل يُعبَد من خلال ضوء الشمس الذي يهب الحياة لكل الكائنات بلا تمييز.
الطقوس والعبادات.. عبادة في ضوء النهار
تميزت الديانة الآتونية بكونها بعيدة عن الغموض والكهنوت. فقد ألغى أخناتون سلطة كهنة آمون، وجعل عبادة آتون علنية في معابد بلا أسقف، كي تتصل أشعة الشمس بالمصلين مباشرة.
كانت الصلوات تتلى صباحًا ومساءً، مع ترديد أناشيد تُشيد بقدرة آتون على إحياء الأرض والناس.
ومن أبرز هذه النصوص "نشيد آتون العظيم"، الذي يُعد أحد أقدم النصوص الدينية التي تحتفي بالحب الإلهي والسلام بين البشر.
أخيتاتون.. عاصمة النور
أقام أخناتون عاصمة جديدة في موقع تل العمارنة الحالي بمحافظة المنيا، وأطلق عليها اسم "أخيتاتون" أي أفق آتون.
كانت المدينة نموذجًا لحياة دينية جديدة؛ بلا معابد ضخمة، بل بساحات مفتوحة تشرق فيها الشمس طوال اليوم.
كما ازدهرت فيها الفنون على نحو مغاير، إذ صورت النقوش الملك وعائلته في لحظات حنان ودفء بشري غير مسبوقة في الفن المصري القديم.
الزواج والعلاقات الإنسانية في الفكر الآتوني
كانت الديانة الآتونية أكثر إنسانية من سابقاتها. فقد شددت على قيم الصدق، الحب، والتكافؤ بين الرجل والمرأة.
ظهر ذلك بوضوح في العلاقة التي جمعت أخناتون بزوجته الملكة نفرتيتي، والتي كانت تشاركه العبادة والسياسة، وتُصوّر إلى جواره في النقوش وهي ترفع القرابين أو تحتضن أبناءها، في مشاهد عائلية لم يعرفها الفن المصري قبلها.
أما الزواج في الفكر الآتوني فكان يُنظر إليه كاتحاد مقدس يجمع بين روحين في ضوء الإله الواحد، قائم على المحبة والوفاء لا على السلطة أو المصلحة.
حتى العلاقات الإنسانية عمومًا، اتسمت في فلسفة أخناتون بالرحمة، والعدل، واحترام الحياة، لأن الجميع أبناء النور الذي يبعثه آتون على الأرض.
نهاية التجربة وبداية الخلود
لم يدم حكم أخناتون أكثر من 17 عامًا، لكن فكرته أحدثت زلزالًا في مصر القديمة.
وبعد وفاته، حاول كهنة آمون محو كل أثر له، فعادت عبادة الآلهة المتعددة، وتحوّل اسم خليفته إلى توت عنخ آمون بدلًا من توت عنخ آتون.
ومع ذلك، بقيت الديانة الآتونية علامة على أول محاولة فلسفية للتوحيد، ورؤية روحية سبقت الديانات السماوية بقرون طويلة.
إحياء آتون في المتحف المصري الكبير
يضم المتحف المصري الكبير الآن مجموعة من أبرز مقتنيات هذه الفترة الفريدة، منها تماثيل أخناتون ونفرتيتي، ونقوش نشيد آتون العظيم، ورسوم تُظهر الملك وهو يتعبد لقرص الشمس مع أسرته.
ويتيح المعرض للزوار فرصة استكشاف جانب روحاني وإنساني عميق من الحضارة المصرية، يعكس بحث الإنسان عن الخالق الواحد، وعن معنى العدل والمحبة في ضوء الشمس الذي يوحّد الجميع.
