المجلة نيوز

الديانة الآتونية تعود إلى الواجهة مع افتتاح المتحف المصري الكبير

الإثنين 3 نوفمبر 2025 09:03 مـ 12 جمادى أول 1447 هـ
أخناتون
أخناتون

‏مع افتتاح المتحف المصري الكبير رسميًا في الجيزة، عاد اسم أخناتون وديانته المثيرة للجدل — الديانة ‏الآتونية — إلى دائرة الضوء من جديد، إذ خُصص جناح كامل في المتحف لعرض مقتنيات هذه المرحلة ‏الاستثنائية من التاريخ المصري، التي مثّلت أول محاولة لتوحيد الإله في العالم القديم.‏

‏ ثورة فكرية في قلب طيبة

في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، خرج الملك أمنحتب الرابع عن المألوف وأعلن عبادة إله واحد هو ‏آتون، قرص الشمس المشرق، رمز الحياة والنور.‏

الشمس رمزا وليس الإله نفسه

وللتعبير عن ولائه للعقيدة الجديدة، غيّر اسمه إلى أخناتون أي المخلص لآتون. كان يؤمن أن هذا الإله لا ‏يُجسَّد في صورة أو تمثال، بل يُعبَد من خلال ضوء الشمس الذي يهب الحياة لكل الكائنات بلا تمييز.‏

‏ الطقوس والعبادات.. عبادة في ضوء النهار

تميزت الديانة الآتونية بكونها بعيدة عن الغموض والكهنوت.‏ فقد ألغى أخناتون سلطة كهنة آمون، وجعل عبادة آتون علنية في معابد بلا أسقف، كي تتصل أشعة ‏الشمس بالمصلين مباشرة.‏

كانت الصلوات تتلى صباحًا ومساءً، مع ترديد أناشيد تُشيد بقدرة آتون على إحياء الأرض والناس.‏

ومن أبرز هذه النصوص "نشيد آتون العظيم"، الذي يُعد أحد أقدم النصوص الدينية التي تحتفي بالحب ‏الإلهي والسلام بين البشر.‏

‏ أخيتاتون.. عاصمة النور

أقام أخناتون عاصمة جديدة في موقع تل العمارنة الحالي بمحافظة المنيا، وأطلق عليها اسم "أخيتاتون" ‏أي أفق آتون.‏

كانت المدينة نموذجًا لحياة دينية جديدة؛ بلا معابد ضخمة، بل بساحات مفتوحة تشرق فيها الشمس طوال ‏اليوم.‏

كما ازدهرت فيها الفنون على نحو مغاير، إذ صورت النقوش الملك وعائلته في لحظات حنان ودفء ‏بشري غير مسبوقة في الفن المصري القديم.‏

‏ الزواج والعلاقات الإنسانية في الفكر الآتوني

كانت الديانة الآتونية أكثر إنسانية من سابقاتها. فقد شددت على قيم الصدق، الحب، والتكافؤ بين الرجل ‏والمرأة.‏

ظهر ذلك بوضوح في العلاقة التي جمعت أخناتون بزوجته الملكة نفرتيتي، والتي كانت تشاركه العبادة ‏والسياسة، وتُصوّر إلى جواره في النقوش وهي ترفع القرابين أو تحتضن أبناءها، في مشاهد عائلية لم ‏يعرفها الفن المصري قبلها.‏

أما الزواج في الفكر الآتوني فكان يُنظر إليه كاتحاد مقدس يجمع بين روحين في ضوء الإله الواحد، قائم ‏على المحبة والوفاء لا على السلطة أو المصلحة.‏

حتى العلاقات الإنسانية عمومًا، اتسمت في فلسفة أخناتون بالرحمة، والعدل، واحترام الحياة، لأن الجميع ‏أبناء النور الذي يبعثه آتون على الأرض.‏

‏ نهاية التجربة وبداية الخلود

لم يدم حكم أخناتون أكثر من 17 عامًا، لكن فكرته أحدثت زلزالًا في مصر القديمة.‏

وبعد وفاته، حاول كهنة آمون محو كل أثر له، فعادت عبادة الآلهة المتعددة، وتحوّل اسم خليفته إلى توت ‏عنخ آمون بدلًا من توت عنخ آتون.‏

ومع ذلك، بقيت الديانة الآتونية علامة على أول محاولة فلسفية للتوحيد، ورؤية روحية سبقت الديانات ‏السماوية بقرون طويلة.‏

‏ إحياء آتون في المتحف المصري الكبير

يضم المتحف المصري الكبير الآن مجموعة من أبرز مقتنيات هذه الفترة الفريدة، منها تماثيل أخناتون ‏ونفرتيتي، ونقوش نشيد آتون العظيم، ورسوم تُظهر الملك وهو يتعبد لقرص الشمس مع أسرته.‏

ويتيح المعرض للزوار فرصة استكشاف جانب روحاني وإنساني عميق من الحضارة المصرية، يعكس ‏بحث الإنسان عن الخالق الواحد، وعن معنى العدل والمحبة في ضوء الشمس الذي يوحّد الجميع.‏