ترامب يقرر زيادة الرسوم على كندا.. السبب إعلان زائف
في خطوة مفاجئة أعادت أجواء التوتر التجاري بين واشنطن وأوتاوا، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع الرسوم الجمركية على كندا بنسبة 10% إضافية، مبررًا قراره بما وصفه بأنه "ردّ على إعلان كندي زائف ومضلل" بُثّ عبر وسائل الإعلام خلال نهائيات بطولة "وورلد سيرز" للبيسبول، ما أثار استياء الإدارة الأمريكية.
تصعيد بعد فشل المفاوضات
يأتي القرار بعد أيام قليلة من تعثر المباحثات التجارية بين الولايات المتحدة وكندا، التي كانت تهدف إلى إعادة صياغة بعض بنود التبادل التجاري بعد انسحاب ترامب من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) في ولايته السابقة، واستبدالها باتفاقية جديدة تحت اسم "اتفاق الولايات المتحدة – المكسيك – كندا (USMCA)".
وبحسب مسؤولين في واشنطن، فإن المفاوضات الأخيرة ركزت على قضايا تتعلق بصادرات الألومنيوم والصلب الكندي إلى الأسواق الأمريكية، إضافة إلى الخلافات حول دعم الحكومة الكندية لقطاع الحليب الذي ترى الإدارة الأمريكية أنه يمنح المنتجين الكنديين ميزة غير عادلة في السوق.
لكن إعلانًا كنديًا بُثّ مؤخرًا خلال إحدى أهم المناسبات الرياضية في الولايات المتحدة فجّر الأزمة من جديد، ليمنح ترامب ذريعة لتصعيد اقتصادي جديد ضد الجارة الشمالية.
الإعلان المثير للجدل
الإعلان الكندي الذي أثار غضب ترامب، كان قد أُنتج من قبل جهة إعلامية تجارية في كندا، حمل عنوان "العدالة في التجارة"، ودعا إلى مواجهة ما وصفه بـ"السياسات الحمائية الأمريكية" التي تضرّ بالاقتصاد الكندي.
غير أن الإعلان تضمن اقتباسًا من الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغن حول أهمية "حرية التجارة بين الشعوب الصديقة"، وظهر النص مرفقًا بصورة لترامب وهو يوقّع أحد القرارات الرئاسية المتعلقة بالرسوم الجمركية، في مشهد فُسّر على أنه انتقاد مباشر لسياسات ترامب التجارية.
ووفقًا لمستشارين في البيت الأبيض، فإن الرئيس الأمريكي اعتبر استخدام اقتباس ريغن في الإعلان نوعًا من "التحريف والتضليل المتعمّد"، إذ بدا وكأن الإعلان يتهم إدارته بتقويض مبادئ أسلافه الجمهوريين في الانفتاح التجاري.
ترامب يهاجم أوتاوا
ترامب، المعروف باستخدامه المكثّف لمنصته الاجتماعية "تروث سوشال"، نشر منشورًا حادّ اللهجة قال فيه: "كان يجب على الحكومة الكندية أن تسحب إعلانها فورًا، لكنه استُخدم عمدًا خلال بطولة وورلد سيرز، رغم علمهم بأنه إعلان زائف ومليء بالأكاذيب."
وأضاف في المنشور نفسه حسب "العين الإخبارية" : "بسبب تحريفهم الخطير للحقائق وتصرفهم العدائي، سأرفع الرسوم الجمركية على كندا بنسبة 10% إضافية فوق ما يدفعونه الآن."
وأنهى رسالته بالقول: "لن نسمح لأي دولة، حتى تلك التي نعتبرها صديقة، أن تستخدم الإعلام للتأثير في الرأي العام الأمريكي أو لتشويه سياساتنا الاقتصادية."
ردود فعل كندية غاضبة
من جانبها، عبّرت الحكومة الكندية عن "خيبة أملها العميقة" من القرار الأمريكي، مشيرة إلى أن الإعلان المشار إليه لا يمثل الموقف الرسمي لأوتاوا، بل هو عمل تجاري محلي لا علاقة له بالسياسات الحكومية.
وقال وزير التجارة الكندي فرانسوا فيليب شامبان في بيان رسمي: "من المؤسف أن تفسر واشنطن إعلانًا تلفزيونيًا على أنه عمل عدائي، في حين أن العلاقات بين بلدينا قائمة على الاحترام والمصالح المشتركة منذ عقود."
وأضاف أن كندا "تحتفظ بحقها في الرد بالمثل إذا استمر الجانب الأمريكي في فرض إجراءات تجارية عقابية لا مبرر لها"، مشددًا على أن الحكومة ستسعى للحوار لاحتواء التوتر.
انعكاسات اقتصادية محتملة
يرى محللون اقتصاديون أن زيادة الرسوم الجمركية بنسبة 10% على الواردات الكندية يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار بعض السلع في السوق الأمريكية، لا سيما المواد الأساسية مثل الألومنيوم والأخشاب والمنتجات الزراعية.
وقال الخبير في الشؤون التجارية الدولية دانيال تيرنر لشبكة "CNBC": "القرار قد يبدو رمزيًا في ظاهره، لكنه يعكس تصعيدًا سياسيًا أكثر من كونه إجراءً اقتصادياً مدروسًا، خاصة أنه يأتي في سياق خلاف إعلامي وليس تجاريًا بحتًا."
وأضاف: "الولايات المتحدة تعتمد جزئيًا على الواردات الكندية في صناعاتها الثقيلة، وأي توتر جديد سيزيد الضغط على سلاسل التوريد، خصوصًا في قطاع السيارات والطاقة."
علاقات معقدة بين الجانبين
تاريخ العلاقات التجارية بين كندا والولايات المتحدة حافل بالتوترات المتقطعة، رغم الشراكة الاقتصادية العميقة بين البلدين.
ففي عام 2018، خلال الولاية الأولى لترامب، فرضت واشنطن رسومًا على واردات الصلب والألومنيوم الكندية بدعوى حماية الصناعات المحلية، وردّت كندا بإجراءات مضادة استهدفت منتجات أمريكية بقيمة مليارات الدولارات، قبل أن يتم التوصل لاحقًا إلى تسوية جزئية في إطار اتفاقية USMCA.
ويبدو أن التوتر الحالي يعيد إلى الأذهان تلك المرحلة، لكن هذه المرة بسبب خلاف إعلامي وسياسي لا يرتبط مباشرة بالميزان التجاري.
ترامب يوظف الاقتصاد بحملته السياسية
تأتي هذه الخطوة في وقت يتزايد فيه نشاط ترامب الانتخابي استعدادًا للاستحقاقات الرئاسية المقبلة، ما دفع بعض المحللين إلى الاعتقاد بأن قراره يحمل بعدًا سياسياً داخلياً أكثر من كونه إجراءً اقتصادياً محضًا.
وصرّح المحلل السياسي الأمريكي إدوارد كينغستون لصحيفة واشنطن بوست قائلاً: "ترامب يحرص على الظهور بمظهر القائد الصارم الذي لا يتسامح مع أي إساءة، حتى لو جاءت من دولة حليفة. تصعيده ضد كندا رسالة لأنصاره في الداخل أكثر مما هي سياسة تجارية جديدة."
وأضاف أن استدعاء قضية "الإعلان الزائف" يخدم ترامب في حملته الانتخابية، إذ يقدّمه أمام جمهوره كمدافع عن "هيبة أمريكا" في مواجهة أي انتقاد خارجي.
أزمة قد تتسع
بينما يقلّل بعض الخبراء من أثر القرار اقتصاديًا على المدى القصير، يرى آخرون أن تسييس العلاقات التجارية بين البلدين يمكن أن يفتح الباب لأزمة دبلوماسية أوسع، خصوصًا إذا أصرّ الطرفان على مواقفهما دون حوار.
وبينما تترقب الأسواق الخطوات المقبلة من الجانبين، يبدو أن الخلاف بين واشنطن وأوتاوا هذه المرة لم يُشعل فتيله بند جمركي أو اتفاق تجاري، بل إعلان تلفزيوني بسيط تحوّل إلى رمز جديد لصراعٍ بين السياسة والإعلام والاقتصاد في عصر ترامب.
