المجلة نيوز

البرازيل ومعادنها النادرة.. الورقة الخفية بمواجهة الرسوم الأمريكية

الأحد 26 أكتوبر 2025 01:00 صـ 4 جمادى أول 1447 هـ

تُمسك البرازيل اليوم بواحدة من أكثر الأوراق الاقتصادية حساسية في العالم، وهي احتياطاتها الضخمة من المعادن النادرة، التي أصبحت تشكل محورًا استراتيجيًا في الصراعات التجارية العالمية، وخصوصًا في المفاوضات المحتدمة مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية العقابية المفروضة على الصادرات البرازيلية.

ثروة تحت الأرض

ففي باطن أراضيها الشاسعة، تحتضن البرازيل ثاني أكبر احتياطي عالمي من المعادن النادرة، وهي مجموعة من 17 عنصرًا معدنيًا تُعدّ أساسًا للتقنيات الحديثة، بدءًا من صناعة المركبات الكهربائية والألواح الشمسية والهواتف الذكية، وصولًا إلى الصناعات العسكرية المتقدمة مثل المحركات النفاثة والصواريخ الموجهة.

وتُقدّر هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية احتياطيات البرازيل بنحو 21 مليون طن متري، أي ما يقارب نصف ما تمتلكه الصين، التي تسيطر وحدها على نحو 44 مليون طن متري، وتشكل بذلك العمود الفقري لإمدادات العالم من هذه المعادن الحيوية.

منافسة عالمية واحتكار صيني

رغم أن الصين والبرازيل تمتلكان نصيبًا وافرًا من هذه الثروة، فإن بكين تتفوق بوضوح في مجالات استخراج المعادن النادرة ومعالجتها.

فقد نجحت خلال العقدين الماضيين في بناء منظومة صناعية متكاملة تمنحها احتكارًا شبه مطلق لإنتاج وتكرير هذه المعادن على المستوى العالمي.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت الصين فرض قيود على تصدير تكنولوجيا معالجة المعادن النادرة، في خطوة فسّرها المراقبون على أنها محاولة للرد على القيود الأمريكية المفروضة على صادرات التكنولوجيا المتقدمة إلى بكين. وفي المقابل، سارعت واشنطن إلى توقيع اتفاق مع أستراليا – صاحبة رابع أكبر احتياطي عالمي – لضمان الوصول إلى موارد بديلة.

الورقة البرازيلية بالمفاوضات

في هذا السياق المتشابك، تسعى البرازيل إلى استثمار موقعها الجيوسياسي والاقتصادي لتخفيف الضغوط الأمريكية المتعلقة بالرسوم الجمركية، التي تصل نسبتها إلى 50% على بعض صادراتها إلى الولايات المتحدة. وتُبرر إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه الرسوم بما تصفه بـ"حملة شعواء" ضد الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، الذي حُكم عليه مؤخرًا بالسجن لمدة 27 عامًا.

لكن وزير المناجم والطاقة البرازيلي ألكسندر سيلفييرا يرى في الأزمة الحالية فرصة نادرة لتعزيز النفوذ البرازيلي، قائلاً: "هناك تقارب طبيعي بين إمكاناتنا المعدنية ورأس المال الأمريكي، ونحن نرى في التوتر بين واشنطن وبكين نافذة فرصة عظيمة للبرازيل."

لقاء محتمل بين ترامب ولولا

وقد تكون قضية المعادن النادرة من بين الموضوعات المطروحة للنقاش في اللقاء المحتمل بين الرئيسين لويس إيناسيو لولا دا سيلفا ودونالد ترامب على هامش قمة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) المزمع عقدها في كوالالمبور.

وأكد الرئيس لولا في تصريحات الجمعة استعداده "للتحدث عن كل شيء" مع ترامب، قائلاً: "من غزة إلى أوكرانيا وروسيا وفنزويلا والمعادن النادرة... لا توجد مواضيع محظورة للنقاش."

نفوذ جيوسياسي جديد

يصف غيلبرتو فرنانديز دي سا، مؤسس مختبر المعادن النادرة في الجامعة الفيدرالية ببيرنامبوكو، هذه الموارد بأنها "نفوذ جيوسياسي حقيقي"، مشيرًا إلى أن السيطرة على إنتاجها وتصديرها تمنح الدول قوة تفاوضية تتجاوز البعد الاقتصادي إلى التأثير السياسي العالمي.

وأضاف دي سا أن الشركات الأمريكية تستثمر بالفعل في قطاع التعدين البرازيلي، لكنها تركز على عمليات الاستخراج الأولية دون التوسع في مراحل المعالجة المعقدة أو تصنيع المغناطيسات، وهي العمليات التي تحتكرها الصين بفضل خبرتها التقنية الطويلة.

معادلة معقدة

وتبدو البرازيل عالقة بين قوتين عظميين: الصين، الشريك التجاري الأكبر لها وعضو مجموعة "بريكس" معها، والولايات المتحدة التي ما تزال أكبر سوق لبعض صادراتها الصناعية والزراعية.
ويخشى مراقبون أن يؤدي أي تقارب اقتصادي أكبر بين برازيليا وبكين إلى إثارة غضب واشنطن، خصوصًا في ظل التوترات السياسية القائمة.

ويقول دي سا في هذا الصدد: "الوضع الاستراتيجي للبرازيل بالغ التعقيد... فهي تمتلك ما تحتاجه القوى الكبرى، لكنها في الوقت نفسه مضطرة للموازنة بين مصالح متناقضة."

نقطة تحول محتملة

في ضوء هذه التطورات، يرى محللون أن البرازيل قد تتحول إلى طرف محوري في معادلة الطاقة والتكنولوجيا العالمية، إذا ما نجحت في تطوير صناعة متكاملة للمعادن النادرة داخل حدودها.
لكن تحقيق ذلك يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية والتكنولوجيا، إلى جانب سياسة خارجية متوازنة تحافظ على علاقات قوية مع كل من واشنطن وبكين في آنٍ واحد.

وبينما تترقب الأسواق العالمية نتائج اللقاء المحتمل بين ترامب ولولا، تبقى الحقيقة المؤكدة أن المعادن النادرة أصبحت سلاحًا استراتيجيًا جديدًا في الحروب الاقتصادية الحديثة، وأن البرازيل تمتلك اليوم فرصة فريدة لتحويل ثرواتها الطبيعية إلى نفوذ دولي حقيقي.