البنوك المركزية تعود إلى الذهب بحثًا عن الأمان في زمن الاضطرابات الاقتصادية
اتجهت البنوك المركزية حول العالم خلال الفترة الأخيرة إلى زيادة مشترياتها من الذهب بشكل ملحوظ، في واحدة من أبرز التحولات في السياسة النقدية العالمية منذ عقود. ويمكن تلخيص أسباب هذا الاتجاه في عدة عوامل مترابطة اقتصادية وجيوسياسية:
1. التحوط من التضخم وتقلبات العملات:
في ظل الارتفاع المستمر في معدلات التضخم وتراجع القوة الشرائية للعملات الورقية، أصبح الذهب وسيلة آمنة لحماية الأصول. فهو يحتفظ بقيمته على المدى الطويل، بخلاف العملات التي تتأثر بسياسات الفائدة والطباعة النقدية.
2. تنويع الاحتياطيات بعيدًا عن الدولار:
العديد من الدول، خاصة الناشئة، بدأت في تقليل اعتمادها على الدولار الأمريكي في احتياطاتها الأجنبية. ومع تصاعد التوترات بين واشنطن وبعض القوى الاقتصادية مثل الصين وروسيا، أصبح الذهب خيارًا استراتيجيًا لتقليل المخاطر المرتبطة بالهيمنة الدولارية.
3. الاضطرابات الجيوسياسية وعدم اليقين العالمي:
الحروب، والعقوبات الاقتصادية، والصراعات التجارية دفعت البنوك المركزية إلى البحث عن أصول لا يمكن تجميدها أو مصادرتها بسهولة، مثل الذهب الذي لا يعتمد على نظام مالي خارجي أو شبكة دفع خاضعة لدولة معينة.
4. استقرار الذهب وموثوقيته عبر الزمن:
يُنظر إلى الذهب بوصفه مخزنًا تقليديًا للقيمة منذ آلاف السنين. فعندما تتراجع الثقة في الأسواق أو في العملات الرقمية الحديثة، يعود الذهب ليكون الملاذ الآمن المفضل للبنوك والمؤسسات المالية الكبرى.
5. التوجه نحو بناء استقلال مالي وسيادي:
بعض الدول مثل الصين، وروسيا، وتركيا، والهند زادت احتياطاتها من الذهب في إطار سعيها لبناء نظام مالي أكثر استقلالًا عن الغرب، وتعزيز مكانتها في التجارة الدولية بعملات محلية مدعومة بأصول حقيقية.
وباختصار، يمكن القول إن شراء الذهب أصبح أداة استراتيجية للبنوك المركزية، ليس فقط كاستثمار مالي، بل كـ درع اقتصادي في عالم تتزايد فيه التوترات السياسية والمخاطر الاقتصادية.
