العدل والقسط في القرآن الكريم.. ميزان السماء في أرض الإنسان
يُعد العدل والقسط من أعظم القيم التي جاء بها القرآن الكريم، إذ جعلهما الله أساسًا لقيام السماوات والأرض، وميزانًا تستقيم به حياة الأفراد والمجتمعات. وقد وردت آيات كثيرة في القرآن تُبرز مكانة العدل، وتؤكد أنه من جوهر الإيمان وغاية الرسالات الإلهية.
العدل أساس التكليف الإلهي
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ (النحل: 90)
في هذه الآية يأمر الله تعالى عباده بالعدل في القول والفعل، مع الإحسان في التعامل، لتتحقق المساواة بين الناس دون تفرقة أو ظلم. وهي آية جامعة تُلخّص جوهر الرسالات السماوية وتربط بين الحق والرحمة في سلوك الإنسان.
القسط ميزان الله بين الناس
قال سبحانه: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾ (الرحمن: 9)
القسط هنا بمعنى العدل التام، وهو دعوة لضبط الموازين في المعاملات الاقتصادية والاجتماعية، حتى لا يظلم أحد أحدًا. فالقرآن يجعل العدل الاقتصادي جزءًا من العبادة، ويعتبر الغش أو التلاعب في الميزان من الكبائر.
العدل مع الجميع.. حتى مع الأعداء
قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (المائدة: 8)
تؤكد هذه الآية أن العدل لا يتأثر بالعواطف أو العداوات، فالله يأمر بالعدل حتى مع من نختلف معهم أو نعاديهم، لأن العدالة هي المعيار الذي يُرضي الله ويقود إلى التقوى.
العدل في الحكم بين الناس
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ (النساء: 58)
يخاطب الله الحكّام وأولي الأمر وكل من يتحمل مسؤولية عامة أو خاصة، أن يؤدي الأمانة ويحكم بالعدل دون محاباة أو ظلم، لأن العدل هو الأمانة الكبرى في الحكم والإدارة.
إرسال الرسل لتحقيق القسط
قال عز وجل: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (الحديد: 25)
هذه الآية تُبرز أن غاية الرسالات الإلهية كلها هي إقامة العدل بين الناس، وأن الكتب السماوية نزلت لتقيم الموازين القسطية التي تحفظ حقوق الإنسان وتصون كرامته.
لا عدل بلا صدق
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾ (النساء: 135)
الآية تؤكد أن العدل لا يتحقق إلا بالصدق والشهادة لله وحده، حتى لو كان ذلك ضد مصلحة الإنسان أو أقاربه، فالمؤمن الحق يقف مع الحق مهما كانت النتائج.
يرسم القرآن الكريم في هذه الآيات منهجًا شاملًا للعدل الإلهي، يقوم على المساواة، وإعطاء كل ذي حق حقه، دون تحيّز أو ظلم. فالعدل في الإسلام ليس مجرد نظام قانوني، بل عبادة وسلوك وروح تسكن ضمير الإنسان.
